إن العاقل والحكيم والعالم يلمسون التناغم الفذ في هذا الكون ، وسبحان الله الذي لم يخلق كل هذا باطلاً ، بديع السموات والأرض ، خلق الإنسان ، الذكر والأنثى وخلق النبات والحيوان والجماد ، وتربطهم جميعاً علاقة تبادلية في المنفعة والإعتماد ، وسبحانه الذي لا يحتاج أحداً من مخلوقاته ، وما عداه محتاجون بطريقة أو بأخرى لبعضهم البعض ، الهيدروجين يحتاج الأكسجين لتكوين الماء والعكس صحيح ، والذكر يحتاج الأنثى لإستمرارية النسل وقضاء الحاجة الجنسية ، وكذلك الإنسان يحتاج الحيوان والحيوان يحتاجه ، من منا لم يشعر بالوحدة القاتلة ، فكانت إلى جانبه هرة فداعب فروها فإستكان وشعر بالفرح والحبور والطمأنينة ؟ من منا ولم يلاعب كلباً ويلقي له بعصا لكي يلتقطها ؟ من منا لم يركب بغلاً أو حماراً أو حصاناً ؟ من منا ولم يفتنه منظر الأرنب في حظيرته ؟ من منا لم يستمتع بإطعام خروف بعض الحشائش ؟ هذه الإنفعالات الدفاقة والأحاسيس المفعمة بالرقة ما سببها ؟ لماذا نرى بعض الأمم تبكي على كلبها وتقيم له جنازة لا تقل عن جنازة البشري ؟ لم هذا كله ؟
أذكر خلال دراستي في روسيا أن العائلة الروسية التي كنت أسكن في منزلها كانت تمتلك قطاً يسمى تالك ، وكنت مثلهم أحسس على ظهره وأضعه على صدري فأشعر براحة نفسية ومشاعر جميلة ، وحينما اختفى ذات يوم ووجدناه ميتاً على قارعة الطريق ألم بنا حزن غامر بالكاد خرجنا منه بعد أن أحضرنا قطاً آخراً ربيناه وتعودنا عليه وعوضنا عن الأول ولكن ذكرى تالك بقيت في صدورنا وكأنه إنسان عزيز قد فقدناه ، هل كنا مجانين ؟ لو كنا كذلك لكان حري بالصحابي الجليل أبا هريرة أن يتخلص من هريرته ليدفع عن نفسه تهمة الجنون .
فما الذي يقدمه لنا الحيوان إذن ؟ إنه يُنمى المشاعر والعواطف لدينا ويعلمنا تحمل المسئولية، يعلمنا الولاء، و يشحننا بالعطف ، ويعلمنا المشاركة، وكيفية الحب غير المشروط.
وتلك صفات هامة من الضروري أن نُغرسها في أطفالنا منذ الصغر ومنذ نعومة أظفارهم كيما يشبوا على هذه القيم الإنسانية الجميلة .
إن الحيوانات تعلمنا أيضاً ماهية الإعتناء وتقديم الرعاية لمن حولنا ولمن يحتاج لرعايتنا ، و ذلك من خلال الإعتناء بالحيوان نفسه لأن تلك العلاقة الحميمة التي تم بناؤها ما بين الإنسان والحيوان وطريقة تعاملنا معه هو يعد شكل من أشكال التعامل كذلك مع من حولنا من البشر.
ونتعلم من الحيوان كذلك التعاون ولغة الجسد ، ومن أكثر المستفيدين من تربية الحيوانات هم كبار السن ، فنجد أنه عندما يتقدم العمر بالإنسان يكون على الأغلب معرضاً للوحدة والقنوط والكآبة فتغدو تربية الحيوان الأليف للشخص المسن هذا تشكل له الدافع من وجود سبب وجيه وملموس لحياته والتشجيع على مواصلتها وعيشها بحيوية وسعادة وأمل ، لأن تربية الحيوان تعنى لهذا المسن عبارة عن حياة جديدة يعتني بها بنفسه ومختلفة عن تلك الحياة التي كان يعيشها وحيداً .
وإن من الفوائد الجليلة في هذا المجال مصاحبة الكلب للضرير ، فيغدو عيونه التي يرى بها دربه ، مهما تحدثنا عن الفوائد فلن نكفيها حقها ، لقد أحضرت ذات يوم من السوق سلحفاة صغيرة ، وكنت أراقبها كل يوم وتعلمت منها الأناة والصبر والمواصلة ، وتعلمت منها أن أحمد ربي أن جعلني قادراً على أن أقطع المسافة التي تستغرقها هي بقطعها على سطوح منزلنا ثلث النهار في حين لا يستغرق مني قطع ذات المسافة أكثر من ثانية واحدة ، حمدت الله أنني أقوى وأسرع وأحكم ، وحمدته أنني أنا من إشتراها من السوق وليست هي من قام بشرائي .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق